في يوم هادئ من أيام تشرين الأول/أكتوبر من عام 1929، شاهد المهندس المعماري William Van Alen، من ناصية الشارع 42 والجادة الخامسة في مانهاتن، إبرة فولاذية بطول 56 متر تخرج من قلب تحفته الفنية غير المكتملة، وهي مبنى Chrysler. وعلى مدى شهور، غطت وسائل الإعلام في نيويورك بلا كلل المعركة بين Van Alen وشريكه التجاري السابق، H. Craig Severance، على إكمال أطول مبنى في المدينة. وكان برج Van Alen، الذي يزن 27 ألف كغ، والذي تم تجميعه سراً في أعلى الهيكل العظمي للمبنى، هو ورقته الرابحة. تم رفع البرج إلى مكانه في أقل من ساعتين ليصل ارتفاع مبنى Chrysler إلى 1,046 قدمًا – متفوقًا بذلك على مبنى شركة سيفيرانس في مانهاتن.
وقد جلبت له الهيمنة على أفق نيويورك الشهرة والترويج الإعلامي، لكن الأبراج الشاهقة حلت أيضًا مشكلة أكثر واقعية: فمع ارتفاع أسعار الأراضي، كان على المصممين بناء أبراج عالية لتحقيق الأرباح، رافعين مشاريعهم إلى أعلى ما تسمح به الهندسة، الضوء الطبيعي وأسلوب تقسيم المناطق.كما كتب Neal Bascomb في كتابه “Higher: A Historic Race to the Sky and the Making of a City” : ”كانت ناطحات السحاب نبوءة محققة لذاتها في سوق العقارات المزدحم“.
وبحلول العشرينيات من القرن العشرين، ومع تحول أوروبا إلى رماد بعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت هذه المباني رموزاً جريئة لنظام عالمي جديد. كما كتب المهندس المعماري الألماني إريك مندلسون في كتابه الذي صدر في عام 1926 ”Amerika“: “أصبحت مانهاتن على وجه الخصوص ميناء العالم، ورسالة للأرض الجديدة، رسالة المنقبين عن الذهب وغزاة العالم”، نشر هذا الكتاب في العام الذي تلا تفوق نيويورك على لندن كأكثر مدن العالم اكتظاظًا بالسكان.
وبينما أصبحت الأموال غير نهائية، و بدت الأبنية تتحدى قوانين المنطق الاقتصادي، أصبحت أشكال الأبنية تكسر قوانين الفيزياء. وعندما هبط السوق، ارتفعت الوظائف الشاغرة في نيويورك؛ فعلى سبيل المثال، مبنى Empire State ظل فارغًا لمدة عقد تقريبًا. وكان أداء مبنى Chrysler أفضل بكثير، حيث تم افتتاحه في عام 1930 بنسبة إشغال تزيد عن 70% من قبل شركات من بينها Western Union، وشركة Chrysler التي اشترى مؤسسها Walter Chrysler قطعة الأرض وتصميم Van Alen من قبل بدء البناء.
لكن الغرور وحده لم يكن كافياً لإنجاح مشاريع بهذا الحجم. بعد أن باعت عائلة Chrysler البرج في عام 1953، دخل المبنى في أربعة عقود من الانحدار، حيث قام الملاك بتخفيض تكاليف الصيانة، وحفروا الأضواء في سقف الردهة المطلي واستخدموا البرج لتخزين الخردة. في أوائل السبعينيات، ومع اتجاه مدينة نيويورك نفسها نحو الإفلاس، وصل معدل إشغال Chrysler إلى مستوى كارثي منخفض بلغ 17%، وحتى بعد تسجيله عام 1978 من قبل لجنة الحفاظ على المعالم التاريخية في المدينة، استمر المبنى في الانزلاق إلى حالة من التدهور. وقد أنعش المبنى بعد تجديده بمبلغ 100 مليون دولار في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، لكنه استمر في تغيير ملكيته، وكان آخرها في عام 2019، حيث انتشرت أبراج أكثر جاذبية حوله.
يبدو مبنى Chrysler اليوم محاطًا بمباني عملاقة، ويبدو حتى ضئيلًا – ولكن لا يوجد مبنى آخر في نيويورك يجذب مثل هذا الإعجاب في بداياته. يقول Willis : ”ناطحة السحاب هي مفهوم رومانسي“، و Chrysler يتحدث عن الإمكانيات الرومانسية للأمة التي لا تزال شابة. وكما كتبت مادلين روثفن في قصيدة عام 1937 التي سميت على اسم إنجاز فان آلن المتوج، ”هذه الجبال الزجاجية المتجددة الهواء / هي توقيع عصر – / أسلوب حياة يجب أن يمر .“
المصادر:
